فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ والبيهقي في سننه {إثنان ذوا عدل منكم} قال: من قبيلتكم {أو آخران من غيركم} قال: من غير قبيلتكم، ألا ترى أنه يقول: {تحبسونهما من بعد الصلاة} كلهم من المسلمين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عقيل قال: سألت ابن شهاب عن هذه الآية قلت: أرأيت الاثنين اللَّذين ذكر الله من غير أهل المرء الموصي، أهما من المسلمين أو هما من أهل الكتاب؟ ورأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما، أتراهما من أهل المرء الموصي أم هما في غير المسلمين؟ قال ابن شهاب: لم نسمع في هذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أئمة العامة سنة أذكرها، وقد كنا نتذاكرها أناسًا من علمائنا أحيانًا فلا يذكرون فيها سنة معلومة ولا قضاء من إمام عادل، ولكنه مختلف فيها رأيهم، وكان أعجبهم فيها رأيا إلينا الذين كانوا يقولون: هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ويغيب عنه بعضهم، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى، فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضروا من وصية، فإن سلموا جازت وصيته، وإن ارتابوا أن يكونوا بدلوا قول الميت وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء، حلف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة، وهي أن المسلمين {يقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين} فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ما لم يعثر على أنهما استحقا إثمًا في شيء من ذلك، قام آخران مقامهما من أهل الميراث من الخصم الذين ينكرون ما يشهد عليه الأولان المستحلفان أول مرة، فيقسمان بالله لشهادتنا على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به، وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله: {تحبسونهما من بعد الصلاة} قال: صلاة العصر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {لا نشتري به ثمنًا} قال: لا نأخذ به رشوة {ولا نكتم شهادة الله} وإن كان صاحبها بعيدًا.
وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أنه كان يقرأ {ولا نكتم شهادة} يعني بقطع الكلام منوّنًا {الله} بقطع الألف وخفض اسم الله على القسم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرؤها {ولا نكتم شهادة الله} يقول هو القسم.
وأخرج عن عاصم {ولا نكتم شهادة الله} مضاف بنصب شهادة، ولا ينون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا} أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا، أجيز شهادة الآخرين وبطلت شهادة الأولين.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو عبيدة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان} بفتح التاء.
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن عدي عن أبي مجلز أن أبي بن كعب قرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان} قال عمر: كذبت. قال: أنت أكذب. فقال الرجل: تكذب أمير المؤمنين! قال: أنا أشد تعظيمًا لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذبته في تصديق كتاب الله ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله. فقال عمر: صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى ابن يعمر أنه قرأها {الأوليان} وقال: هما الوليان.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ {من الذين استحق عليهم الأولين} ويقول: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما؟
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه كان يقرأ الأوّلين مشدّدة على الجماع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم {من الذين استحق} برفع التاء وكسر الحاء {عليهم الأولين} مشددة على الجماع.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {الأوليان} قال: الميت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} يقول: ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} يقول: وأن يخافوا العنت.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} فتبطل أيمانهم وتؤخذ أيمان هؤلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله: {واتقوا الله واسمعوا} قال: يعني القضاء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين} قال: الكاذبين الذين يحلفون على الكذب. والله تعالى أعلم. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال الصابوني:
البلاغة:
1- {والهدي والقلائد} عطفُ القلائد على الهدي من عطف الخاص على العام، خُصّت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر، وبهاء الحج بها أظهر.
2- {مَّا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} أطلق المصدر البلاغ وأراد به التبليغ للمبالغة.
3- {الخبيث والطيب} بينهما طباقٌ، وبين {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ} جناس الاشتقاق وكلاهما من المحسنات البديعية.
4- {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} جملة خبرية لفظًا إنشائية معنى يراد منها الأمر أي ليشهد بينكم.
الفوَائِد: قال الإمام الشاطبي: الإِكثار من الأسئلة مذموم وله مواضع نذكر منها عشرة:
أحدها: السؤال عما لا ينفع في الدين كسؤال بعضهم: من أبي؟
ثانيها: أن يسأل ما يزيد عن الحاجة كؤال الرجل عن الحج: أكلَّ عام؟
ثالثها: السؤال من غير احتياج إليه في الوقت ويدل عليه: «ذروني ما تركتكم».
رابعها: أن يسأل عن صعاب المسائل وشرارها كما جاء في النهي عن الأغلوطات.
خامسها: أن يسأل عن علة الحكم في التعبدات كالسؤال عن قضاء الصوم للحائض دون الصلاة.
سادسها: أن يبلغ بالسؤال حدّ التكلف والتعمق كسؤال بني إِسرائيل عن البقرة وما هي وما لونها؟
سابعها: أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي ولذلك قال سعيد: أعراقي أنت؟
ثامنها: السؤال عن المتشابهات ومن ذلك سؤال مالك عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم.. إلخ.
تاسعها: السؤال عما حصل بين السلف وقد قال عمر بن عبد العزيز: تلك دماء كف الله عنها يدي فلا ألطّخ بها لساني.
عاشرها: سؤال التعنت والإِفحام وطلب الغلبة في الخصام ففي الحديث: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ذلك أدْنَى} لا محلَّ لهذه الجملةِ؛ لاستئنافِها، والمشارُ إليه الحكمُ السابقُ بتفصيله، أي: ما تقدَّم ذكرُه من الأحْكَامِ أقربُ إلى حصولِ إقامةِ الشَّهادة على ما ينبغي، وقيل: المشارُ إليه الحَبْسُ بعد الصلاة، وقيل: تحليفُ الشاهدين، و{أنْ يَأتُوا} أصلُه: «إلى أنْ يأتُوا»، وقدَّره أبو البقاء بـ «مِنْ» أيضًا، أي: أدْنَى من أن يأتُوا، وقدَّره مكيٌّ بالباء، أي: بِأنْ يَأتُوا، قال شهاب الدين: وليْسَا بواضحَيْنِ، ثم حذفَ حرفَ الجر، فَنَشَأ الخلافُ المشهور، و{عَلَى وَجْهِهَا} متعلِّقٌ بـ {يَأتُوا}، وقيل: في محلِّ نَصْبٍ على الحال منها، وقدَّره أبو البقاء بـ «محققة وصَحِيحَة»، وهو تفسيرُ معنًى؛ لما عرفْتَ غير مرة من أنَّ الأكوانَ المقيَّدة لا تُقَدَّر في مثله.
قوله: {أوْ يَخَافُوا} في نصبه وجهان:
أحدهما: أنه منصوب؛ عطفًا على {يَأتُوا}، وفي {أوْ} على هذا تأويلان:
أحدهما: أنها على بابها من كونها لأحدِ الشيئين، والمعنى: ذلك الحكمُ أقربُ إلى حصول الشهادة على ما ينبغي، أو خوفِ رَدِّ الأيمانِ إلى غيرهم، فتسقطُ أيمانهم، والتأويلُ الآخر: [أن] تكون بمعنى الواو، أي: ذلك الحُكْمُ كله أقربُ إلى أنْ يَأتُوا، وأقربُ إلى أن يَخَافُوا، وهذا مفهومٌ من قول ابن عبَّاسٍ.
الثاني من وجهي النصب: أنه منصوبٌ بإضمار {أن} بعد {أوْ}، ومعناها هنا «إلاَّ»؛ كقولهم: «لألْزَمَنَّكَ أوْ تَقْضِيَني حَقِّي»، تقديره: إلاَّ أنْ تَقْضِيني، فـ{أوْ} حرفُ عطفٍ على بابها، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار «أن» وجوبًا، و«أن» وما في حيِّزها مُؤوَّلةٌ بمصْدرٍ، ذلك المصدرُ معطوفٌ على مصدر متوهَّم من الفعلِ قبله، فمعنى: «لألْزَمَنَّكَ أوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي»: لَيَكُونَنَّ منِّي لُزُومٌ لك أو قَضَاؤُكَ لِحَقِّي، وكذا المعنى هنا أي: ذلك أدنى بأن يأتوا بالشهادةِ على وجهها؛ وإلاَّ خَافُوا رَدَّ الإيمانِ، كذا قدَّره ابن عطية بواوٍ قبل «إلاَّ»، وهو خلافُ تقدير النحاة؛ فإنَّهمْ لا يقدِّرون «أوْ» إلا بلفظ «ألاَّ» وحدها دون واو، وكأن «إلاَّ» في عبارته على ما فهمه أبو حيان ليسَتْ «إلاَّ» الاستئنائيةَ، بل أصلُها «إن» شرطيةً دخلتْ على «لاَ» النافيةِ فأدْغِمَتْ فيها، فإنه قال: «أو تكون {أو} بمعنى «إلاّ إنْ»، وهي التي عبَّر عنها ابن عطيَّة بتلك العبارةِ من تقديرها بشرطٍ- محذوفٍ فعلُه- وجزاءٍ».
انتهى، وفيه نظرٌ من وجهَيْن:
أحدهما: أنه لم يَقُلْ بذلك أحدٌ، أعني كون «أوْ» بمعنى الشرط.
والثاني: أنه بعد أنْ حَكَمَ عليْهَا بأنها بمعنى «إلاَّ إنْ» جعلها بمعنى شرطٍ حُذِفَ فعلُه.
و{أنْ تُرَدَّ} في محلِّ نَصْبٍ على المفعُولِ به، أي: أو يَخَافُوا رَدَّ أيمانهم.
و{بَعْدَ أيْمَانِهِمْ}: إمَّا ظرفٌ لـ {تُرَدَّ}، أو متعلِّقٌ بمحذوفٍ؛ على أنها صفةٌ لـ {أيْمَان}، وجُمِعَ الضميرُ في قوله: {يَأتُوا} وما بعده، وإنْ كان عائدًا في المعنى على مثنى، وهو الشاهدان، فقيل: هو عائدٌ على صنفي الشاهدين، وقيل: بل عائدٌ على الشهودِ من الناسِ كُلِّهِمْ، معناه: ذلك أولى وأجدرُ أنْ يحذرَ الناسُ الخيانةَ، فيَتَحَرَّوْا في شهادتهم؛ خَوْفَ الشناعةِ عليهم والفَضِيحةِ في رَدِّ اليمينِ على المُدَّعِي، وقوله: {واتَّقُوا الله} لم يذكر متعلَّق التقوى: إمَّا للعلْمِ به، أي: واتقوا اللَّهَ في شهادِتكُمْ وفي الموصينَ عليهم بأن لا تَخْتَلِسُوا لهم شيئًا؛ لأن القصَّةَ كانت بهذا السَّببِ، وإمَّا قَصْدًا لإيقاع التقوى، فيتناولُ كلَّ ما يُتَّقَى منه، وكذا مفعولُ {اسْمَعُوا} إنْ شئتَ حذفته اقتصارًا أو اختصارًا، أي: اسْمَعُوا أوامِرَهُ من نَوَاهِيه من الأحكام المتقدِّمة، وما أفْصَحَ ما جيء بهاتَيْن الجملتَيْن الأمريتَيْن، فتباركَ اللَّهُ أصْدَقُ القائلِينَ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (109):

قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان فيها إقامة الشهود وحبسهم عن مقاصدهم حتى يفرغوا من هذه الواقعة المبحوث فيها عن خفايا متعلقة بالموت والتغليظ بالتحليف بعد صلاة العصر، وكانت ساعة يجتمع فيها الناس وفريقا الملائكة المتعاقبين فينا ليلًا ونهارًا مع أنها ساعة الأصيل المؤذنة بهجوم الليل وتقوّض النهار حتى كأنه لم يكن ورجوع الناس إلى منازلهم وتركهم لمعايشهم، وكانت عادته سبحانه بأنه يذكر أنواعًا من الشرائع والتكاليف، ثم يتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء وإما بشرح أحوال القيامة، ليصير ذلك مؤكدًا لما تقدم من التكاليف، ولا ينتقل من فن إلى آخر إلا بغاية الإحكام في الربط، عقبها تعالى بقوله: {يوم يجمع الله} أي الملك الأعظم الذي له الإحاطة الكاملة {الرسل} أي الذين أرسلهم إلى عباده بأوامره ونواهيه إشارة إلى تذكر انصرام هذه الدار وسرعة هجوم ذلك بمشاهدة هذه الأحوال المؤذنة به وبأنه يوم يقوم فيه الأشهاد، ويجتمع فيه العباد، ويفتضح فيه أهل الفساد- إلى غير ذلك من الإشارات لأرباب البصائر والقلوب، والظاهر أن «يوم» ظرف للمضاف المحذوف الدال عليه الكلام، فإن من المعلوم أنك إذا قلت: خف من فلان، فإن المعنى: خَف من عقابه ونحو ذلك، فيكون المراد هنا: واتقوا غضب الله الواقع في ذلك اليوم، أي اجعلوا بينكم وبين سطواته في ذلك اليوم وقايةً، أو يكون المعنى: اذكروا هذه الواقعة وهذا الوقت الذي يجمع فيه الشهود ويحبس المعترف والجحود يوم الجمع الأكبر بين يدي الله تعالى ليسألهم عن العباد ويسأل العباد عنهم {فيقول} أي للرسل تشريعًا لهم وبيانًا لفضلهم وتشريفًا للمحق من أممهم وتبكيتًا للمبطل وتوبيخًا للمُفْرط منهم والمفرّط.